ما هو سرّ الصلاة
اسرار الصلاة |
وكان سرُّ الصلاة ولُبها إقبال القلب فيها على الله، وحضوره بكلِّيته بين يديه، فإذا لم يقبل عليه واشتغل بغيره ولهى بحديث نفسه، كان بمنزلة وافد وفد إلى باب الملك معتذرا من خطاياه وزلله مستمطرا سحائب جوده وكرمه ورحمته، مستطعما له ما يقيت قلبه، ليقوى به على القيام في خدمته، فلما وصل إلى باب الملك، ولم يبق إلا مناجته له، التفت عن الملك وزاغ عنه يمينا وشمالا، أو ولاه ظهره، واشتغل عنه بأمقت شيء إلى الملك، وأقلّه عنده قدرا عليه، فآثره عليه، وصيَّره قلبة قلبه، ومحلَّ توجهه، وموضع سرَّه، وبعث غلمانه وخدمة ليقفوا في خدم طاعة الملك عوضا عنه ويعتذروا عنه، وينوبوا عنه في الخدمة، والملك يشاهد ذلك ويرى حاله مع هذا، فكرم الملك وجوده وسعة برّه وإحسانه تأبي أن يصرف عنه تلك الخدم والأتباع، فيصيبه من رحمته وإحسانه ؛ لكن فرق بين قسمة الغنائم على أهل السُّهمان من الغانمين، وبين الرضَّخ لمن لا سهم له: { ولكل درجات ممَّا عملوا وليُوَفيهم أعمالهم وهم لا يظلَمون }[2]، والله سبحانه وتعالى خلق هذا النوع الإنساني لنفسه واختصه له، وخلق كل شيء له، ومن أجله كما في الأثر الإلهي: " ابن آدم خلقتك لنفسي، وخلقت كلِّ شيء لك، فبحقي عليك لا تشتغل بما خلقته لك عمَّا خلقتك له ".
وفي أثر آخر: " ابن آدم خلقتك لنفسي فلا تلعب وتكفلت برزقك فلا تتعب، ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كلّ شيء، وإن فُتَّك فاتك كلّ شيء، وأنا أحب إليك من كلّ شيء".
وجعل سبحانه وتعالى الصلاة سببا موصلا إلى قُربه، ومناجاته، ومحبته والأنس به.